ذكرى الهجرة النبوية: دروسٌ ثورية في زمن التطبيع والخيانة

✍️ بقلم: فيصل أحمد الهطفي

في ذكرى الهجرة النبوية المباركة للعام 1447هـ، نستحضر حدثًا مفصليًا في تاريخ الإسلام، حمل معاني الإيمان والثبات والتضحية، وكان تحوّلًا من الاستضعاف إلى التمكين، ومن الاستضعاف إلى قيام الدولة.
حمل في طياته معاني الإيمان والثبات والتضحية، وكان نقطة تحوّل من الضعف إلى التمكين، ومن الاستضعاف إلى قيام الدولة.

لقد ترك النبي محمد صلى الله عليه
وعلى آله، ومعه المؤمنون، الأهل والمال والديار لله، فالهجرة كانت تعبيرًا عن إيمان صادق واستعداد للتضحية في سبيل الله. ومن صبر النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله، وثباته في وجه الأذى والحصار والمقاطعة، نتعلم أن النصر لا يُمنح إلا لمن ثبت وصدق.

الهجرة لم تكن ارتجالًا، بل كانت بأمرٍ من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله، وتجلّت فيها حكمة النبوة، من خلال التخطيط الدقيق، واختيار التوقيت، وتوزيع الأدوار، وتغيير المسارات، مما يعلمنا أن النصر لا يكون بالعشوائية والانفعال، بل بالوعي والتنظيم والتوكل على الله.

وقد جسد الأنصار من الأوس والخزرج أعظم معاني النصرة، حين فتحوا قلوبهم وبيوتهم للنبي صلى الله عليه وعلى آله وللمهاجرين، في مشهد قرآني خالد يعلّمنا أن نصرة الحق لا تكون بالكلمات فقط، بل بالمواقف والتضحيات.

وفي المقابل، سجّل التاريخ نماذج من المجتمعات المتخاذلة، كمجتمع مكة الذي لم يحظ بشرف احتضان الرسالة الإلهية والاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ففقد موقعه التاريخي، واستُبدل بغيره، وهذا درس للأمة أن من لا يحمل مسؤولية الجهاد والموقف الحق يُستبدل، كما قال الله:
“إِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ”.

كانت الهجرة بداية لبناء الدولة الإسلامية، والمسجد كان مركزها، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ركيزتها، والعهد الاجتماعي ضمانتها، مما يعلمنا أن النهوض يبدأ ببناء مجتمع متماسك متعاون، يلتف حول القيم والمبادئ لا حول المصالح الضيقة.

الهجرة ليست ذكرى تاريخية فحسب، بل هي منهج مستمر، من الظلم إلى العدل، من الخوف إلى المواجهة، من التبعية إلى الولاء لله ورسوله، وهذا المنهج مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل موجات التطبيع والخيانة، حيث يتوجب على الأمة أن تهاجر من مواقع الذل إلى ميادين العزة.

فالهجرة كانت البداية لا النهاية، ومن سار في دربها لا يُهزم، لأنه يسير خلف قافلة النبوة، ويستلهم من صبر النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله، وتضحية الإمام علي عليه السلام، ووفاء الأنصار، ووعد الله الحق.

إنّ من يخون القضايا العادلة، أو يخذل المستضعفين، يكرر موقف من أعرض عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، فخسر شرف النصرة والقيادة، بينما فاز الأنصار حين نصروا، وآووا، واحتضنوا الرسالة.

واليوم، هناك من يمثلون روح الأنصار في واقعنا، من يقفون مع قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين، من اليمن إلى غزة، ومن محور المقاومة إلى أحرار الأمة. فهؤلاء هم الأنصار الجدد، وهم الأجدر بالنصر والتمكين، لأنهم يحملون راية الحق، ويجددون درب الهجرة في زمن الغربة والتحدي.

مقالات ذات صلة