
الإمام زيد.. حين تتجدّد الثورة في زمن الخضوع والصمت
شاهر أحمد عمير
لم يكن استشهادُ الإمام زيد بن علي -عليه السلام- مُجَـرّدَ صفحة من صفحات التاريخ، بل هو ومضة نور ما زالت تشقُّ طريقَها في وجدان الأحرار، وتنبّه الغافلين إلى حقيقة الإسلام الذي لا يعرف الذلَّ ولا يقبل الخنوع.
تحَرّك الإمام زيد في مرحلةٍ كانت الأُمَّــة فيها تعيشُ نوعًا من الخَدَر الجماعي، وكان الطغاة قد أحكموا سيطرتهم على مقاليد الحكم، وبدأت ملامح الانحراف عن خط النبوة تتضح جليًّا، لكن القليل فقط من امتلكوا شجاعة المواجهة.
واليوم، ونحن نُحيي ذكرى استشهاد هذا الإمام الثائر، لا نفعل ذلك بدافع العاطفة أَو الحنين إلى الماضي؛ بلْ لأَنَّ الأُمَّــة الإسلامية تعيش واقعا مشابهًا لما عاشه الإمام زيد، بل ربما أكثر خطورة وتعقيدًا. فها نحن نرى كيف صارت فلسطين، وغزة خُصُوصًا، مسرحًا لجرائم إبادة جماعية تُنفّذها آلة القتل الصهيونية بدعمٍ أمريكي وغربي، بينما يقف العالم – ومعه الأنظمة العربية – موقف المتفرج أَو المتواطئ، في مشهد يُعيد للأذهان كُـلّ معاني الخذلان التي واجهها الإمام زيد.
لكن المفارقة أن التاريخ لا يُعيد نفسه بشكل عبثي، بل يقدّم لنا نماذج حية تتجدد في كُـلّ زمان. ففي الوقت الذي صمتت فيه أغلب الأصوات الرسمية، وذهبت بعض الأنظمة العربية إلى التطبيع والمصافحة مع المجرم الصهيوني، برز صوتٌ من اليمن، صوت السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- ليذكّر الأُمَّــة كلها بروح زيد، وحُرقة الحسين، وعزم علي بن أبي طالب، فكان موقفه المشرّف في دعم الشعب الفلسطيني مقاومةً وموقفًا ومبدأ، لا مُجَـرّد شعارات.
لقد رأينا كيف انطلقت مواقف السيد القائد من منطلق قرآني أصيل، يحث على مواجهة الطاغوت الأمريكي والإسرائيلي، ويُحمّل الأُمَّــة مسؤولية الوقوف مع المستضعفين، بل يقدّم أنموذجًا عمليًّا في التضحية، من خلال العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية دعمًا لفلسطين، رغم الحصار والمعاناة.
إن ما يقدّمه اليمن اليوم – شعبًا وقيادة – هو تجسيد حي لما خرج الإمام زيد؛ مِن أجلِه، وهو الدفاع عن الحق، وإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعادة الأُمَّــة إلى موقعها الطبيعي كأمة شاهدة على الناس، لا تابعة للظالمين.
الإمام زيد خرج في زمن كان الحاكم فيه يدّعي الشرعية باسم الإسلام، لكنه كان يمارس الجور والقهر والفساد، وهو تمامًا ما يحدث اليوم، حَيثُ تحكم الأُمَّــة أنظمة ظالمة باسم الدين، وتمنع العلماء من الصدع بالحق، وتشيطن كُـلّ من يدعو للجهاد والمقاومة، وتحاصر الشعوب المتمسكة بكرامتها، فيما تفتح العواصم لزعماء الصهاينة وتصفق لصفقات التطبيع.
إنّ دروس ثورة الإمام زيد عليه السلام لا تنحصر في تفاصيل المعركة أَو مظلوميته فحسب، بل في طبيعة تحَرّكه: لم ينتظر إجماعًا من الناس، ولم يساوم على مبادئه، بل اعتبر أن السكوت عن الظلم جريمة، وأن كُـلّ مَن يسكت عن الطغيان وهو قادر على مواجهته، فهو شريك في الظلم.
وقد لخّصها بقولِهِ الشهير: “والله ما يكره قومٌ قَطُّ حَرَّ السيوف إلا ذَلَّوا”.
وها نحن نرى اليوم نتيجة كراهية الجهاد والمواجهة: ذُلٌّ في العواصم، ودماء تنزف في غزة، وصمت رسميٍّ مطبق، بل وتآمرٌ من داخل البيت العربي والإسلامي.
وفي المقابل، لا تزال هناك بقية من الأحرار، ترى في زيد مثالًا يُحتذى، وفي السيد القائد عبد الملك الحوثي امتدادا حيًّا لهذا النهج، يحمل القرآن دستورًا، ويعيد تعريف الولاية بأنها ولاء لله ورسوله لا لأمريكا وإسرائيل.
إنّ الحاجة اليوم ماسّة إلى استعادة روح الإمام زيد، لا كمذهب أَو طائفة، بل كثورة ضمير، وموقف حازم، وإحياء لكرامة الأُمَّــة، التي لا يمكن أن تُستعاد إلا من خلال العودة إلى المنهج القرآني الأصيل، والتمسك بخيار الجهاد، والتضحية، والصوت الحر الذي يصدح بالحقيقة، مهما كلّف الثمن.
نقول للأُمَّـة الإسلامية والعربية:
زيد لم يمت؛ لأَنَّ كُـلَّ مَن سار على دربه، لا يزال يحمل رايته…
وغزة اليوم تناديكم، لا تُعيدوا مأساةَ الكوفة.