
الخطاب المقاوم يفرز جبهات الأمة ويضع اليمن في موقع الفعل المسؤول
السبت، 24 محرم 1447هـ الموافق 19 يوليو 2025 الساعة 16:30:09
صنعاء- سبأ : جميل القشم / تهامة نيوز
في خطابه المصور مساء الجمعة، قدّم الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، مرافعة مكثفة عن حقيقة المشهد العربي والإسلامي تجاه غزة، بصيغة تجمع بين المكاشفة والعتب والمحاسبة، وتخرج المواقف من إطارها الإعلامي إلى حقل الفعل والموقع والأثر.
كشف الخطاب عن تحول لافت في نبرة المقاومة، حيث اتجهت عباراته لتثبيت معايير جديدة في التقييم، تستند إلى ما يحدثه الموقف من تأثير ميداني، وما يقدمه من إسناد فعلي في لحظة الحصار والمحرقة.
جاء استدعاء اليمن في هذا السياق تثبيتًا لدوره، وتكريمًا لموقعه، وإقرارًا بموقفه الذي تقدّم إلى مقدمة الصفوف، وأدى وظيفته القتالية والسياسية بدقة وانضباط، دون التفات للضغوط أو تبدل في المسار.
تحية أبو عبيدة لليمن وقواته المسلحة، عكست حجم التقدير الذي تحظى به صنعاء داخل أوساط المقاومة، وهي إشارة صريحة إلى أن صنعاء باتت ضمن الكتلة التي يعتمد عليها في ترسيخ ميزان الرد، وتوسيع جبهة التصدي لكيان العدو.
البيان قدّم توصيفًا دقيقًا لمسؤولية قادة الدول، والأحزاب، والعلماء، والنخب، محملًا إياهم ما يعيشه أهل غزة من مجازر وتجويع وتشريد، رابطا الأداء بالقدرة، والتقصير بالتخلي عن الواجب المباشر.
في هذا الفرز، لم يترك الموقع للرمزية، بل للأثر، وهو ما يجعل اليمن أنموذجًا حاضرًا في ميدان النصرة، بما يقدّمه من أداء متماسك، وقرار مستقل، ورؤية استراتيجية منسجمة مع طبيعة المعركة وطول مداها.
عبارات البيان المتعلقة برقاب الأمة ودماء المدنيين صيغّت بصيغة الحساب المفتوح، حيث يرتبط كل تقاعس بجرح، وكل تردد بمضاعفة الكلفة، وهو منطق يعيد تعريف العلاقة بين القضايا والمواقف.
ظهر اليمن في الخطاب كموقع محصّن بالثقة، نظير أدائه المتواصل منذ بدء العدوان، سواء على مستوى العمليات البحرية أو في وضوح الخطاب السياسي، حيث اتسم الموقف بالثبات واستقامة الاتجاه.
تعبير أبو عبيدة عن الحزن في غزة، يعكس حال الجبهة حين تتقدم دون غطاء، وتؤدي مهمتها تحت عبء مضاعف، تكشف لغته عن قيادي يتكلم بلسان مدينة مرهقة من القتال والانتظار، وتخوض معركتين في وقت واحد، معركة النار، ومعركة العزلة.
في خطاب أبو عبيدة، بدا جرح الكتائب أعمق من جراح الجبهة، خرجت الكلمات بملامح رجل يحمل على كتفه وزر الدم وحده، ويطالع من خلف الركام خرائط مواقف بلا جهة، توزعت العواصم في صمْتها، وامتدت غزة بخطها الأمامي من بيت إلى بيت، ومن نفق إلى نداء، ومن مقاتل إلى جثمان، تحت سقفٍ عربيّ لم تتسع فيه الخنادق لموقف جامع.
أشار الخطاب إلى تعب الساحات حين تخلو من السند، وإلى أثر اليد الواحدة حين تظل على الزناد بلا تبديل، بدت الجبهة الفلسطينية في عباراته كأنها تختبر الأمة اختبارًا صارمًا، فتسجّل في كل جولة من ثبت بالفعل، ومن تجاوزته لحظة الحسم، ظهر اليقين في نبرة البيان، بأن الكتائب تقاتل بإيمانها وبقناعة لا تهتز، وبأن الأيام القادمة تفتح مسارًا لا ينتظر أحدًا.
استدعاء اليمن في هذا السياق، يُقرأ ضمن منطق تثبيت الشركاء، حيث تُبنى شبكة الفعل المقاوم على أساس التراكم، وترتبط بما يُقدَّم في الميدان، وتُقاس بمدى الحضور الفاعل في معركة مواجهة العدو.
أعادت كلمات القسام، توجيه البوصلة نحو القوى التي تصنع الأثر، وتحافظ على مبدأ المقاومة كأصل في إدارة المرحلة، وهو ما يتجسد في أداء اليمن وموقعه في معادلة البحر والسيادة والقرار.
الخطاب برمته بدا أقرب إلى بيان فرز تاريخي، يضع كل طرف في موضعه، ويكرّس فكرة أن الشراكة في المعركة تكسب في الميدان، وتُثبت بالأداء، وتقاس بميزان الدم والقرار.
في هذا التوقيت، تُبرز الإشارة إلى اليمن كذروة لتراكم سياسي وعسكري متصل، وتجسيد لمسار بدأ مع الأيام الأولى، وواصل صعوده بتماسك القرار وحضور الفعل، فأصبح موقع صنعاء راسخًا في معادلة المواجهة، وفاعلًا مباشرًا في ساحة الضغط على العدو.