
رسالة الإمام زيد بن علي عليهما السلام لعلماء الأمة
✍🏻بقلم عبدالله الرازحي
في زمننا هذا، الذي تتلاطم فيه أمواج الفتن وتزداد فيه التحديات، ما أحوجنا أن نستلهم من رسالة الإمام زيد بن علي عليهما السلام إلى علماء الأمة! هي رسالة خالدة، جامعة لكل ما تحتاجه الأمة في حاضرها ومستقبلها، وتُعد نداءً صارخًا لعلماء الأمة اليوم ليضطلعوا بمسؤولياتهم.
لقد أوصى الإمام زيد عليه السلام العلماء وحذّرهم، مذكّرًا إياهم بما أمرهم الله به، ومحذرًا إياهم من مغبة التخاذل أو الانصياع للظالمين فمن وصاياه وتحذيراته للعلماء:
1. تقوى الله والحذر من بيع الحق:
يوصي العلماء بتقوى الله وطاعته، ويحذرهم أشد التحذير من بيع حق الله بثمن بخس أو عوض زائل، مؤكدًا أن “كل شيء آثرتموه وعملتم له من الدنيا ليس بخلف مما زين الله به العلماء من عباده الحافظين لرعاية ما استرعاهم واستحفظهم من أمره ونهيه”. فالعاقبة للمتقين، والحسرة والندامة للجائرين.
2. مسؤولية العلماء في صلاح الأمور أو فسادها:
يؤكد أن صلاح الأمور وفسادها مرهون بيد العلماء. فبهم تصلح الأمور، وبهم تفسد “إذا باعوا أمر الله تعالى ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين”. فهم عصابة مشهورة بالورع والعبادة ودراسة القرآن، ولهم مهابة في أعين الناس ومكانة عظيمة. فكيف بهم يفرطون في هذا المقام ويصبحون “كالأطباء الذين أخذوا ثمن الدواء وأعطوا المرضى، وكرعاة استوفوا الأجر وضلوا عن المرعى، وكحراس مدينة سلموها إلى الأعداء”؟ هذا هو حال علماء السوء!
3. الحذر من الطمع والانقياد للظالمين:
يحذر بشدة من تمكين الظالمين من قيادة الأمة، محذرًا العلماء من الطمع في “حطام الدنيا الزائل، وتراثها الآفل”، مما يؤدي إلى خسارة حظهم من الله عز وجل. يدعوهم إلى الاستعداد للموت بالوثيقة في الدين والاعتصام بالكتاب المتين.
4. الاعتبار بمن سبق من الأحبار والرهبان:
يدعو العلماء إلى التفكر والاعتبار بسوء ثناء الله على الأحبار والرهبان الذين لم ينهوا عن الإثم وأكل السحت، لأنهم “كانوا يشاهدون الظلمة الذين كانوا بين ظهرانيهم يأمرون بالمنكر، ويعملون الفساد، فلا ينهونهم عن ذلك”. لقد عاب الله عليهم تركهم ما استحفظهم من كتابه خشية الناس ومداهنة للظالمين.
فعواقب سوء تصرف العلماء:
“فيا علماء السوء، هذا مهادكم الذي مهدتموه للظالمين وهذا أمانكم الذي ائتمنتموه للخائنين، وهذه شهادتكم للمبطلين، فأنتم معهم في النار غدًا خالدون”.
هم لم يعلموا الجاهل، ولم يرشدوا الضال، ولم يعملوا لخلاص الضعفاء. علمهم سيصبح حجة عليهم، وسيعلمون عاقبة أمرهم “إذا حشرج الصدر، وجاءت الطامة، ونزلت الداهية”. إنهم “أعظم الخلق مصيبة، وأشدهم عقوبة”.
الطريق الصحيح والنداء إلى النصرة:
لقد بين أن سكوت علماء السوء هو السبب في سفك دماء الداعين إلى الحق من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لقد “محوتم كتاب الله محوًا، وضربتم وجه الدين ضربًا، فند والله نديد البعير الشارد هربًا منكم”.
يدعوهم الإمام زيد بن علي عليهما السلام إلى العمل بكتاب الله وإحياء سنة رسوله، فالكتاب قوام الإيمان وبالسنة يثبت الدين. ويؤكد أن البدع ما هي إلا “أكاذيب تخترع، وأهواء تتبع”.
ويذكر الإمام زيد عليه السلام العلماء بمنزلة أهل البيت عليهم السلام، وأنهم “أعلم الأمة بالله، وأوعى الخلق للحكمة، وعلينا نزل القرآن، وفينا كان يهبط جبريل عليه السلام، ومن عندنا اقتبس الخير”. يدعوهم إلى نصره الحق والتعاون على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان.
ويختتم الإمام زيد عليه السلام رسالته بدعوة إلى نصرة الحق، مؤكداً أن الظالمين قد استحلوا دماء أهل البيت واتخذوا خذلان الأمة حجة عليهم، وأن “أنتم شركاؤهم في دمائنا، وأعوانهم في ظلمنا، فكل مال الله أنفقوه، وكل جمع جمعوه، وكل سيف شحذوه وكل عدل تركوه، وكل جور ركبوه وكل ذمة الله تعالى أخفروها، وكل مسلم أذلوه، وكل كتاب نبذوه، وكل حكم الله تعالى عطلوه، وكل عهد الله نقضوه فأنتم المعينون لهم على ذلك بالسكوت عن نهيهم عن السوء”.
فلنستلهم من هذه الرسالة العظيمة، ولنتذكر أن مسؤولية علماء الأمة جسيمة، وأن صلاح الأمة ونهضتها لا يمكن أن يتحققا إلا بجهودهم المخلصة والتزامهم بالحق والعدل.
ومع مرور ما يقارب السنتين على “طوفان الأقصى”، يتجدد صدى نداء” السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله” لعلماء الأمة بأن ينهضوا بدورهم. في خطاباته المتكررة، يدعوهم إلى نصرة الحق، والنصح، واستنهاض الأمة، كما يدعو إخواننا المجاهدين في فلسطين. لكن للأسف، يبدو أن الكثير منهم قد استسلم لحكام الظلم ورضي بفتات الدنيا الزائل.
وختاما فإن مناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد بن علي عليهما السلام تُعد فرصة عظيمة لتذكير الأمة وعلماءها برسالته الخالدة. رسالةٌ لم تكن مجرد كلمات، بل كانت واقعًا حيًا يلخص كل ما تحتاجه الأمة في مسيرتها.