
غزة… وجوع الكرامة في زمن تخمة الخيانة
✍️ بقلم: فيصل أحمد الهطفي
في زمنٍ يُذبح فيه الضمير العالمي على أسوار غزة، وتُغتال فيه الإنسانية بصمتٍ قاتل، يقف العالم عاجزًا، أخرسَ، بلا ملامح، يتفرّج على مشاهد الدم والرماد، وكأن أبناء غزة ليسوا من بني البشر… أم تراهم يُنظر إليهم على أنهم دونيون، بلا حق في الحياة، ولا كرامة في الموت؟
غزة، تلك الرقعة المباركة المحاصرة، تصرخ اليوم لا باسم فلسطين فحسب، بل باسم كل إنسانٍ يؤمن بالحرية والكرامة. تُذبح أمام أنظار العالم بأسلحةٍ أمريكية، وصواريخ صهيونية، وتواطؤ أنظمةٍ عربية باعت كل شيء، حتى أرواح شعوبها. تجاوز عدد الشهداء والجرحى المئة ألف، أطفال مقطَّعو الأطراف، نساء مُمزّقات الأحشاء، رجال يُستخرجون من تحت الركام وقد التصق تراب الأرض بدمهم الطاهر… ولا يزال العالم يتفرج!
أي صمتٍ هذا؟! بل أي خنوعٍ بلغته شعوبُ العرب والمسلمين؟! اليوم غزة، وغدًا في عواصمكم ومدنكم وبيوتكم. من لم يُدرك أن القضية هي قضية أمةٍ كاملة يُراد لها الاستئصال، فهو أعمى، أصمّ، بلا قلبٍ أو ضمير.
إلى شعوب أمتنا العربية والإسلامية: إلى متى تبقون أسرى الخوف؟ اكسروا القيد، واهتفوا بصوتٍ يزلزل العروش المتعفنة. اخرجوا، تظاهروا، زلزلوا الأرض تحت أقدام الجبناء. لا تقولوا: “لا نملك شيئًا”، فإن أعظم ما نملك هو الصوت، هو الرفض، هو الغضب الذي يكشف الأقنعة ويهزّ عروش الطغاة. لقد قال الله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ، قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ، قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)
(النساء: 97)
فلا عذر للساكتين، ولا حجة للمتقاعسين.
إلى كل الشعوب الحرة، إلى كل أحرار العالم: هذه ليست حربًا على “حماس” ولا على “الجهاد”، بل حرب على الطفولة، على الأمومة، على كل معنى للإنسان. هذه إبادة جماعية موثقة بالصوت والصورة، فهل في قلوبكم بقية من إنسانية؟! قوموا، ارفضوا، اصرخوا، فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، ولا يسامح من التزم الصمت أمام المجازر.
أما الأنظمة العميلة، المتواطئة، فلها من أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم القسام، كلماتٌ تهزُّ أركانَ الخيانة، قالها بوضوح:
“أنتم خصماؤنا يوم القيامة جميعًا، دون استثناء”.
يومئذٍ، لا ينفعكم تطبيع، ولا تخدير الشعوب، ولا صكوك غفران أمريكية. وإننا لنشهد أن أبا عبيدة صدق، وأنه في غزة رجال لا يبيعون دينهم وكرامتهم من أجل كرسيّ أو صفقة.
وفي هذا الزمن الذي بان فيه كلّ شيء، وتميّز الصفّ، تجلّت مواقف الرجال من الجبناء. وحدها اليمن، من أعادت للكرامة العربية نبضها، وكسرت المعادلة. من أرضها المباركة، خرجت الطائرات المسيّرة والصواريخ الفرط صوتية، فضربت في عمق الكيان، وضربت في البحر وفرضت الحصار، وقالت: لسنا كغيرنا.
وليس ذلك فحسب، بل إن الساحات اليمنية تشهد كل أسبوع مشهدًا مهيبًا يُجسّد الإيمان الحي والوعي الثوري؛ ففي ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، وفي كل ساحات المحافظات الحرة، يحتشد الآلاف من الرجال ، صغارًا وكبارًا، شيوخًا وشبابًا، يهتفون لغزة، يرفعون راية فلسطين، ويجددون البيعة لخط الجهاد والمقاومة، في صورةٍ قلّ نظيرها في هذا الزمن المتواطئ.
نعم، هذا هو اليمن الإيماني، اليمن القرآني، يمن أنصار الله، يمن الرجال الأوفياء، الذين جسّدوا الإخاء الحقيقي، يوم خذله الآخرون.
يا شعوب العالم، يا من تؤمنون بالعدل والكرامة، اليوم يُمتحن ضميركم. لا تقولوا: “ما يحدث هناك لا يعنينا”، بل قفوا مع الإنسان في وجه الوحش، مع الحق في وجه السلاح النووي، مع الطفولة التي تُباد، والكرامة التي تُنحر.
غزة لا تطلب منكم طائرات ولا جيوشًا، بل أن تصدحوا بالحق. أن تقولوا: كفى للظلم، كفى للقتل، كفى لصمت العالم المتواطئ!
غزة اليوم هي قضية الأمة، بل هي قضية الإنسانية جمعاء. من لم ينتصر لغزة، فقد خان فطرته، وتنكّر لإنسانيته، وأسلم روحه للذل.
وختامًا: غزة لا تموت، بل تُبعث من جديد مع كل شهيد، وتنهض من تحت الركام مع كل نَفَس. فويلٌ لمن خذلها، وويلٌ لمن صمت، وويلٌ لمن ارتضى أن يكون مجرد عبدٍ في بلاط الصهاينة.
(وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُه)
(وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا)