صرخة في عالم الصمت والخذلان : حين تموت الكلمة وتنجو الجريمة

الحديدة : تهامة نيوز
️ بقلم: فيصل أحمد الهطفي

في هذا العالم الممتد على رمال الخذلان، تمشي الأرواح تائهة، باهتة، مثقلة بالصمت. تبحث عن ظلّ، عن قطرة ماء، عن كلمة صدق تنقذها من هجير البلادة، وعطش المعنى، وضياع النخوة.
العالم ليس بحاجة إلى ضجيجٍ آخر ؛ فالأصوات كثيرة، الأصوات تملأ الدنيا… لكن لا صوت يصرخ للحق. لا صدى يهتف من جوف الصدق: كفى! كأنّ القلوب أقفلت أبوابها، وأودعت مفاتيحها عند سلاطين الصمت، وسماسرة الشعارات.
في غزة… يتردّد البكاء من حنجرة رضيعٍ يتلوّى من الجوع، وتشهق أمٌّ تنظر إلى فلذة كبدها يغيب في المجهول، ولا تملك له شيئًا سوى آهاتٍ محترقة. وفي الركن القصيّ من العالم… يجلس الملايين أمام الشاشات، لا يرفّ لهم جفن،  ، لا يخشع لهم قلب ، لا تهتز فيهم روح.
يا هذا الإنسان… هل تنكّرت لفطرتك؟ هل خلعت جلدك؟ هل استبدلت قلبك بحجرٍ ناعم الصقل؟ أم أنك أغمضت عينيك عن أن ترى، لأنّ الرؤية تُوجع، ولأنّ الصرخة تُحرج، ولأنّ الموقف مكلف؟ أوَما علمت أن الصمت أمام الجريمة جريمة؟ وأن الحياد أمام الحق انحراف؟ وأنّ السكوت في زمن المجازر موتٌ صغيرٌ متكرّر يتغلغل في الروح حتى لا يبقى منها شيء؟
أيها القلب… يا من خُلقت لتنبض بالحياة… هل جفّ فيك نبع الغضب؟ هل أصبحتَ لا تبصر النور إلا من كُوّة الإعلام؟ هل تراك توقفت عن السجود لله، حين امتنعت عن السجود للحق، وركعت لراحة بالك؟
غزة لا تطلب سيوفًا ولا جيوشًا، تطلب منك أن تصرخ، أن تشهد، أن لا تُصافح القاتل بكلماتك. غزة لا تريد منك أكثر من أن تكون إنسانًا… فهل ذلك كثير؟
العالم لا ينقصه شعراء، بل صدق. لا ينقصه متحدثون، بل صمتٌ مقدّس يكسره وجع المظلومين. لا ينقصه مفكرون، بل مفجّرون لأسوار اللامبالاة.
في زمنٍ يُذبح فيه الطفل على الهواء، ويُحرق الحقل تحت نظر الأقمار الصناعية، ويُجَوَّع فيه الناس بينما تُرمى الفتات للعصافير في القصور… في زمنٍ كهذا، تكون الصرخة عبادة. ويكون الغضب فريضة. وتكون الكلمة رصاصة.
غزة ليست مكانًا. إنها المعيار، الميزان، المحكّ الذي تنكشف عليه الأرواح. غزة ليست جغرافيا، بل برزخٌ بين من أحيا قلبه، ومن قتله الترف، أو الجبن، أو الادّعاء.
وإن كنت تريد النجاة، فقل كلمة حق، وإن أردت أن تكون حيًّا، فابكِ معهم، وإن أردت أن تعرف الله، فانظر إلى عينيّ أمٍ فلسطينية تمسح التراب عن وجه طفلها الشهيد، ثم ترفع كفيها إلى السماء وتقول: “اللهم تقبل منا هذا القربان”.
هناك فقط… تنكشف الحقيقة.

مقالات ذات صلة