الحديدة.. غزة حاضرة في وجدان المحتفلين بذكرى المولد النبوي الشريف

الأحد، 23 صفر 1447هـ الموافق 17 أغسطس 2025 الساعة 09:34:24

الحديدة : تهامة نيوز- سبأ: تقرير/ جميل القشم

في الحديدة، تتحول ذكرى المولد النبوي الشريف إلى فضاء جامع، تتقاطع فيه القيم الروحية مع الموقف السياسي، حيث يُستعاد نهج النبي كمشروع مقاومة ممتد في مواجهة الظلم، ويجد صداه المباشر في فلسطين، التي تتصدر غزة منها وعي المحتفلين، لتغدو المناسبة إعلاناً واضحاً أن محبة الرسول تعني الوقوف مع المستضعفين.

في كل فعالية رسمية، وأمسية من الأمسيات الشعبية والثقافية، يتجلى أن الحديدة تتعامل مع المولد النبوي كحالة متجددة، تعيد تشكيل وعي المجتمع، وتربطه بجذوره الروحية من جهة، وبقضاياه الكبرى من جهة أخرى، ومن بين هذه القضايا تتصدر فلسطين المشهد كأكثر تجليات الارتباط النبوي رسوخاً في ضمير اليمنيين.

يجد المحتفون في ذكرى مولد الرسول الأعظم، فرصة لتأكيد أن القيم التي جاء بها الإسلام، كالعدل والرحمة ونصرة المستضعفين، تمثل مشروعاً ممتداً يجد ترجمته اليوم في الموقف اليمني المبدئي من قضية غزة، فالمناسبة هنا تتحول إلى حدث لإعلان هوية تتداخل فيها العقيدة مع الموقف.

هذا التداخل بين الديني والسياسي، وبين البعد الروحي والالتزام العملي، هو ما يميز فعاليات الحديدة هذا العام، حيث ترتبط كلمات الفعاليات والاحتفالات والقصائد والمدائح النبوية بالشعارات الداعمة لفلسطين، وتنسجم الابتهالات الدينية مع المواقف المناهضة للاحتلال، فيبدو المشهد واحداً ومترابطاً يجمع بين محمد رسول العدالة وغزة كمساحة حيّة لتجلي هذه العدالة في الحاضر.

وتكشف المشاركة الواسعة في الفعاليات والأمسيات الاحتفالية، عن وعي متنامٍ لدى المجتمع بأن الاحتفال بالمولد النبوي يكتمل بتبني قضايا الأمة، حيث يجد الفرح الروحي معناه الأعمق حين يتصل بنصرة المظلوم، فيغدو الاحتفال موقفاً سياسياً وأخلاقياً وروحياً في آن واحد.

إن حضور غزة في فعاليات محافظة حارس البحر الأحمر، يعبر عن وحدة وجدانية عميقة، حيث تنطلق الخطابات والحوارات الرسمية والشعبية المصاحبة لهذا الزخم من قناعة بأن مقاومة الاحتلال امتداد لاستعادة النهج المحمدي، وأن إحياء ذكرى المولد النبوي يشكّل إعلاناً متجدداً للانحياز إلى المستضعفين.

ويظهر المولد النبوي كحدث جامع يربط بين أبعاد متوازية، حيث يعزز البعد التربوي الهوية الدينية في الأجيال، ويكرّس البعد الثقافي التراث الشعبي كأداة للوعي، ويؤكد البعد السياسي تموضع اليمن في معركة الأمة الكبرى، بما يجعل المناسبة ساحة للتلاقي بين الرمزية الدينية والالتزام العملي.

المتتبع لتفاصيل الفعاليات والأمسيات يدرك أن الحديدة تقدم نموذجاً لاحتفال يتجاوز الطابع التقليدي، ليتحول إلى خطاب مفتوح على قضايا العالم الإسلامي، فالشعور العام أن النبي محمد، بما يمثل من رمز للعدل الإلهي، حاضر اليوم في كل مواجهة يخوضها الفلسطينيون دفاعاً عن أرضهم وهويتهم.

ومن زاوية تحليلية، فإن ربط ذكرى المولد النبوي بالقضية الفلسطينية يعكس إدراكاً يمنياً عميقاً بأن ما يجري في فلسطين هو عدوان متواصل وجرائم وحشية فاقت كل التصورات، بما يستهدف القيم التي أرساها الإسلام، ومن هنا يصبح الاحتفاء بالمولد إعلاناً عن تجديد الولاء لتلك القيم، وتأكيداً على وحدة المعركة.

ما يميز فعاليات هذا العام، أن الخطاب الشعبي والديني جاء متداخلاً، حيث تلتقي الأهازيج التهامية الشعبية مع القصائد الشعرية والإنشاد الديني في هدف واحد، هو تكريس صورة النبي كرمز للمقاومة الروحية والسياسية والجهادية، وهو ما يجسده اليمن بقيادته الحكيمة في نصرة غزة، التي تخلى عنها الأقربون، لتغدو المناسبة نابضة بالدلالات، ومعبرة عن وحدة الموقف والهوية.

ولعل الأجيال الجديدة هي الأكثر تفاعلاً مع هذا الربط، حيث تحولت المدارس والجامعات إلى ساحات احتفاء تستحضر الرسول وفلسطين معاً، وبهذا المعنى يصبح المولد النبوي في محافظة الحديدة، فعلاً تأسيسياً متكرراً للهوية الجمعية، في انسجام مع إجماع اليمنيين الذي يتجسد كل جمعة في المسيرات المليونية المؤكدة نصرة فلسطين والولاء لرسول الله ونهجه المقاوم.

من الناحية الاجتماعية تعكس هذه الاحتفالات حالة تماسك داخلي، إذ يلتقي الناس حول رمز جامع يبدد الانقسامات ويعيد توجيه البوصلة نحو قضايا الأمة، ومن الناحية السياسية يتجلى ربط المولد بغزة كرسالة تتجاوز الحدود، حيث يتموضع اليمن في قلب معركة الأمة، مقدماً شرف الموقف الأصدق في زمن تخلى فيه كثيرون عن فلسطين وبقي اليمنيون أوفياء لرسالتهم الإيمانية والإنسانية.

إن المزج بين المحلي والعالمي، وبين الروحي والواقعي، يضفي على المولد النبوي في الحديدة طابعاً متفرداً، إذ تتحول الفعاليات في المدن والريف إلى ممارسة جماعية تستعيد من خلالها المحافظة دورها كمنبر لصوت الأمة، وجسر يصل بين تهامة وغزة، وبين البحر الأحمر وبيت المقدس.

ومن هذا الامتداد يمكن القول إن الاحتفالات المتواصلة تمثل سيرورة وعي متنامٍ يتجاوز حدود الحدث الموسمي، حيث تُضاف كل فعالية إلى ما قبلها لتبني تراكمية ثقافية وروحية تعيد صياغة علاقة اليمنيين بالرسول من زاوية الفعل المقاوم والانتصار لفلسطين باعتبارها الامتداد الحي لرسالة العدالة المحمدية.

ومع اتساع نطاق المشاركة الشعبية والرسمية، يغدو المولد النبوي ساحة جامعة لتوحيد الخطاب العام، حيث يتوحد اليمنيون حول فكرة أن حب الرسول يرتبط بالانتصار لقضية فلسطين، وفي هذا التجلي تكمن قوة المناسبة كأداة للتربية السياسية والإيمانية في آن واحد.

إن قراءة معمقة لمظاهر الاحتفال بالمناسبة تكشف أن المولد النبوي يعيد تعريف العلاقة بين المجتمع والرسالة، وبين الإيمان والفعل، ومن خلال حضور غزة، تتجلى المناسبة كفعل سياسي مؤسس يربط التاريخ بالراهن، ويؤكد أن رسالة النبي حاضرة وفاعلة في ضمير الأمة.

وبهذا يمكن القول إن الحديدة، عبر أمسياتها وفعالياتها المتواصلة، تعيد صياغة ذكرى المولد النبوي كمساحة التقاء بين الروح والهوية والموقف، ويأتي الاحتفاء بالرسول إعلاناً للولاء لرسالته، وتجسيداً للالتزام العملي بنصرة فلسطين باعتبارها الامتداد الحي لسيرة نبي الأمة.

مقالات ذات صلة