
حشودٌ يمانية لا نظيرَ لها
نبيل الجمل
يُعَدُّ مولد النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثًا خالدًا يحتفل به ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، غير أنّ في اليمن للأمر بُعدًا آخر ومذاقًا مختلفًا؛ إذ جاء الاحتفالُ بالمولد النبوي الشريف هذا العام 1447هـ في صدارة العالم الإسلامي، بحشود مليونية غير مسبوقة، لم يشهد التاريخُ لها مثيلًا في الحضور والتفاعل والاقتدَاء، وتجديد العهد بالحب والولاء لرسول العالمين محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين).
لقد كانت مشاهدُ الاحتفال والفعاليات التي عمّت جميعَ المحافظات والساحات لوحةً إيمانية مهيبة أبهرت العالم، وأظهرت مدى تعلّق اليمنيين برسول الله، وصدق اقتدائهم به، وتمسكهم بسنته وسيرته ونهجه إلى يوم الدين.
إن الموقف اليمني الصامد والمُستمرّ في نصرة فلسطين، والوقوف إلى جانب أهل غزة، ورفض سياسة دول الاستكبار والهيمنة، إنما هو دليل ساطع على حب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسير على نهجه، وحب آل بيته الأطهار وأئمته الهداة. أما من يزعم أنّ الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، فلتنظر عيناه إلى بدعهم هم: بدعة خِذلانهم وصمتهم عن قضية فلسطين، وبدعة تطبيعهم مع العدوّ، وبدعة حكوماتهم الخاضعة للوصاية، وبدعة ثقافتهم الماجنة المستوردة من الغرب. أما الاحتفال بذكرى مولد رسول الله، فهو حياة للقلوب وتجديد للولاء، وهو من صميم الدين، وليس بدعة. فسلام الله على شعب اليمن وقيادته وحكومته، وسلام الله على السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفِظه الله).
لقد جاء النبي الخاتم بالدعوة إلى توحيد الله وعبادته دون سواه، وترك عبادة الأوثان والأصنام والطواغيت، فكان لتلك الدعوة أثر عظيم على مسار التاريخ. تلك هي الجاهلية التي حاربها الرسول آنذاك، أما جاهلية عصرنا فقد وصفها المصطفى بقوله: «بُعثتُ بين جاهليتين، آخراهما أشد من أولاهما»، وصدق رسول الله.
إن ارتباطنا برسول الله (ص) ليس شعارًا يُعلَّق، ولا ذكرى عابرة تُحتفل بها، بل هو انتماءٌ لمسيرة جهاد وعطاء، وثبات على النهج، واستعداد للتضحية في سبيل ما جاء به من هدى ونور. إن ذكرى المولد النبوي الشريف محطة لتجديد العهد مع الله ورسوله، بأن نظل أوفياء لديننا، ثابتين على الحق، لا نتراجع أمام الظلم، ولا ننكسر أمام التحديات.
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو قدوتنا، ومنه نستمد عزيمتنا وصبرنا، وهو الذي علّمنا أن الكرامة أثمن من الحياة، وأن العدل رسالة لا تسقط بالتقادم.
فلنجعل من هذه المناسبة العظيمة، ومن هذا الحشد الكبير، فرصة لإحياء القلوب، وتقوية العزائم، وتجديد العهد مع الله ورسوله وأعلام الهدى، بأن نكون، حَيثُ يحبّ الله ويرضى.
وكل عام وأنتم ثابتون على خط محمد، سائرون على نهجه، مستنيرون بنوره، عاملون بسيرته، محتفون بمولده الشريف.