
اليمن تواجه التجسس الدولي.. كيف تورطت الأمم المتحدة
تقرير | علي الدرواني
في إنجاز أمني يعد من العيار الثقيل، تمكنت الأجهزة الأمنية اليمنية من ضبط شبكة تجسس خطيرة تعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية معادية، لها ارتباط مباشر بالموساد والاستخبارات الامريكية، وكانت الشبكة مزودة بمعدات متطورة للرصد والرقابة واختراق منظومات الاتصالات الوطنية، حسب ما كشفه السيد القائد عبدالملك الحوثي يحفظه الله.
وفي خطابه الأسبوعي أشار السيد القائد إلى أن عناصر هذه الشبكة تعمل تحت غطاء المنظمات الأممية، كاليونسيف وبرنامج الغذاء العالمي، وأنه قد ثبت تورطها في جريمة اغتيال رئيس الوزراء، احمد غالب الرهوي، وأعضاء حكومة التغيير والبناء.
أكثر شبكات التجسس
خطورة هذه الخلايا والشبكات الاجرامية، من استخدامها لغطاء العمل الانساني وتنفيذ اعمال تخريب وتجسس خبيثة تضر باليمن والأمن القومي، وتقدم معلومات للعدو في وقت الحرب، (لأنها تنتسب إلى هذه المنظَّمات، وتحتمي بهذا الانتساب، وتجعل من عملها في إطار هذه المنظَّمات غطاءً لنشاطها الخطير، الذي كان نشاطاً عدوانياً وسيئاً جدًّا، يستهدف هذا الشعب في أمنه، يحاول أن يقدِّم الخدمة لأعدائه) حسب السيد عبدالملك الحوثي.
إذن فلجوء أجهزة الاستخبارات المعادية إلى تجنيد موظفين أمميين أو عاملين في المجال الإنساني بسبب ما يتمتعون به من امتيازات استثنائية، يجعل استخدام موظف أممي كعميل يقلل التكاليف والمخاطر على الاستخبارات المعادية، ويزيد من فعالية عمليات التجسس، بالإضافة إلى تأثيره النفسي والسياسي الذي يضع البلد تحت ضغط إعلامي ودبلوماسي، وهو الأمر الذي تقوم به الأمم المتحدة، والتي وجه لها الاستنكار السيد عبدالملك الحوثي وأنها (بدلاً من أن يكون لها موقف من الأمريكي والإسرائيلي، في مقابل اختراقه لها، وتحريكه لمنتسبيها في جرائم تخدم العدو الإسرائيلي والعدو الأمريكي، يتَّجهون لتوجيه اللوم إلى الأجهزة الأمنية، وإلى الحكومة في صنعاء، ويحاولون أن يبرِّئوا مجرميهم، وتلك الخلايا الَّتي قامت بذلك الدور الإجرامي).
إنجاز أمني نوعي
من هنا، لم يكن هذا الإنجاز الأمني سهلاً؛ فقد تطلّب تنفيذ عمل استخباراتي محكم استمر لمدّةٍ، اشتمل على تتبّع دقيق لتحركات العناصر المشتبه بها ورصد منهجي لقنوات اتصالهم، ثم الإطباق عليهم في توقيت واحد بطريقة منعت أي محاولة للفرار أو إتلاف الأدلة والمضبوطات.
ما كشفه السيد القائد من أن المعدات التي تم ضبطها تستخدم عادة في عمليات التجسس الإلكتروني والتنصت على الاتصالات، يشير إلى أن الشبكة كانت مكلفة بمهام حساسة تستهدف الأمن القومي والبنية السيادية للبلاد، وأنها حصلت على تدريب عال.
ويعد هذا النجاح الأمني مؤشرا على تطور القدرات الاستخباراتية اليمنية، وارتفاع مستوى الجاهزية الفنية والتقنية في مواجهة محاولات الاختراق الخارجي، كما يمثل رسالة ردع واضحةً للأطراف التي تسعى لاستغلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد لتنفيذ أجندات معادية.
ويرى مراقبون أن ضبط هذه الشبكة سيربك حسابات أجهزة الاستخبارات التي تقف خلفها، إذ سيجبرها على إعادة تقييم أساليبها، وتعليق العمل بعدد من خلاياها النشطة خشية انكشافها، الأمر الذي يحد من قدرتها على التأثير والاختراق في الساحة اليمنية خلال المرحلة المقبلة، مؤكدين -في ذات الوقت- على رفع الجهوزية واليقظة، فالعدو غدار، واجهزة استخبارات معادية كثيرة تلعب في الميدان.
طبيعة الحرب الأمنية
انكشاف هذه الشبكات يؤكد على طبيعة الحرب الأمنية، والتي تتجاوز المواجهات المسلحة المباشرة؛ فهي إطار شامل يجمع بين الاستخبارات، العمليات السرية، الحرب الإلكترونية، والاعتداء على البنية التحتية المعلوماتية والاجتماعية للدولة.
في زمن الحرب يستخدم العدو هذه الأدوات لشل قدرات البلد قبل أو أثناء المواجهات، عبر تجنيد عملاء محليين، زرع شبكات تجسّس، اعتراض الاتصالات، وإطلاق حملات تضليل ومعلومات تهدف إلى زعزعة الثقة العامة وإضعاف الروح المعنوية. كما تعتمد الأطراف المعادية على الهجمات السيبرانية لتعطيل الاتصالات العسكرية والمدنية، واستنزاف الموارد، وجمع معلومات حيوية عن المواقع والخطط.
إضافة إلى ذلك يلجأ العدو إلى استغلال القنوات الإنسانية والدبلوماسية كغطاء لأنشطة استخباراتية، كما هو الحال مع موظفي السفارة الامريكية سابقا، وحاليا موظفي الامم المتحدة.
جريمة أخلاقية كبرى
تورط موظفين أمميين أو عاملين في المجال الإنساني في أنشطة تجسسية لصالح جهات معادية يمثل انتهاكًا خطيرًا لمبدأ الحياد الدولي الذي تقوم عليه المنظمات الأممية، وأي تورط -ولو كان جزئيا- يعد جريمة أخلاقية وإنسانية كبرى، وخيانة لمبادئ الأمم المتحدة ذاتها، فما الذي يبقى للعمل الإنساني إن تم تلويثه بقذارة التجسس، وتحويله إلى عنوان للعدوان، بدلا من أن يكون عنوانا للمساعدات والحياد.
يجب على الأمم المتحدة أن تستجيب لنصيحة السيد عبدالملك الحوثي، وأن لا تقبل بالسماح للأمريكي والإسرائيلي بتحويل مؤسساتها إلى أوكار تجسس، وأن تكون الشفافية والحياد أولوية قصوى لها، إذا أرادت أن تبقى صوتا للضمير الإنساني، لا أداة بيد أجهزة الاستخبارات الدولية.
ختاما:
صحيح أن ضبط خلايا مسلحة بكل هذه الفنيات للتنصت والتتبع يمثل ضربة عملية لها تأثير فوري على قدرات التجسس الميداني للعدو الأمريكي والإسرائيلي، لكنه ليس نهاية الحملة الاستخباراتية ضد اليمن.. ما يحدث الآن هو إعادة تشكيل للمشهد الاستخباراتي من الجانبين، فكما أنه سيؤدي إلى زيادة في الحذر واليقظة الأمنية على المستوى المحلي، فإنه سيدفع العدو للبحث عن أساليب أقل عرضة للانكشاف، سيبرانيات أو تجنيد بعناوين جديدة. وعليه.. تبقى المعركة الاستخبارية طويلة المعالم،
ويُنتظر أن تكشف الجهات المختصة خلال الأيام القادمة مزيدًا من التفاصيل حول هوية المتورطين، وطبيعة المهام التي كانوا مكلفين بها، والجهات التي تقف خلفهم، وسط ترقب شعبي ورسمي واسع لما ستسفر عنه التحقيقات.