
تريليون دولار بلا مقابل: كيف تحوّلت الرياض إلى ممول للاقتصاد الأمريكي؟
في خضم التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تبرز بوضوح معادلة مالية ـ سياسية تقوم على مبدأ واحد: من يدفع أكثر ينَل الوعود الأكبر.
وتكشف مسارات العلاقة بين واشنطن والرياض، خصوصًا خلال عهد ترامب، طبيعة هذه المعادلة التي تلتهم المليارات دون أن توفر للرياض ضمانات فعلية، فيما تحوّلها الولايات المتحدة إلى رافعة لاقتصادها وصناعاتها العسكرية وتعزيز نفوذها الاستراتيجي.
فالتريليون دولار التي تسوّق لها الإدارة الأمريكية لا تمثّل ـ كما تتخيلها المملكة ـ شراكات اقتصادية حقيقية أو استثمارات متبادلة، بقدر ما تُجسّد ثمنًا سياسيًا وأمنيًا تسعى السعودية من خلاله لشراء موطئ قدم داخل بوابة النفوذ الأمريكي.
ويأتي ذلك في وقت تتفاقم فيه الأعباء الداخلية للسعودية، من عجز مالي متصاعد، ودين عام متنامٍ، واعتماد متزايد على الاقتراض لتغطية الالتزامات الخارجية لا لتلبية احتياجات التنمية.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور وسيم بزي أن العلاقة بين واشنطن والرياض قائمة على معادلة مالية بحتة، مؤكداً أن المسألة أبعد من حاجات تتطلع إليها المملكة، واصفًا العلاقة بين السعودية وأمريكا بأنها “ديكور يبرر صرف الأموال لتقوية الاقتصاد الأمريكي”.
وفي حديثه لبرنامج ملفات على قناة المسيرة، يعتبر بزي أن ما يجري بين ترامب وبن سلمان ليس إلا تزيينًا للهدف المضمر الذي عملت عليه واشنطن طويلًا، مؤكداً أن زيارة ولي العهد السعودي تأتي في إطار سعي المملكة إلى شراء الرضا الأمريكي، مضيفًا: “منذ زيارة ترامب وارتفاع الدفع من 600 مليار إلى تريليون دولار، يتضح أن الهدف هو كسب الرضا وليس تلبية احتياجات سعودية.”
وعلى صعيد الاتفاقيات الدفاعية، يشير الدكتور بزي إلى أن تمرير أي اتفاق فعلي عبر الكونغرس يكاد يكون أمرًا مستحيلًا، لافتًا إلى أن ما يُطرح أمام الرياض ليس سوى تفاهمات شكلية تُستخدم كتعويض معنوي، ولا تمنح المملكة ما تطمح إليه من مستويات حماية أو التزام أمريكي حقيقي.
من جهته، يتناول زكريا الشرعبي، مدير مركز المعلومات في دائرة التوجيه المعنوي، ملف صفقات الأسلحة، وعلى رأسها صفقة مقاتلاتF-35، مشددًا على أنها صفقة مُبالغ في الاحتفاء بها، وأن العقبات الجوهرية تجعلها أقرب إلى الوعد المؤجّل.
وفي حديثه لبرنامج ملفات، يؤكد الشرعبي وجود عوائق داخلية أمريكية أبرزها قانون تفوّق الكيان الإسرائيلي، واللوبي الصهيوني، والالتزام العقائدي الذي يحكم صادرات السلاح، ما يجعل تنفيذ الصفقة محل اعتراض.
ويرى أن النسخ التي قد تحصل عليها السعودية ستكون أقل بكثير من مواصفات النسخ الإسرائيلية، كما حدث سابقًا في صفقات الأواكس والدبابات الأمريكية، مؤكدًا أن الأسلحة التي تُسلَّم إلى السعودية ليست بالمواصفات الكاملة، وهي خاضعة لتأخيرات مستمرة، وبعضها منذ عام 2011 لم يُسلَّم حتى الآن.
ويشير الشرعبي إلى الضغوط المالية المتصاعدة في الرياض، مبينًا أن الدين العام صعد إلى 32% من الناتج المحلي، وقد يصل إلى 40% في 2027، مع عجز يبلغ 5.3%، ما يضطر المملكة إلى بيع أصول سيادية والاقتراض وطرح سندات.
ويلفت إلى أن هذا النهج ينعكس على مشاريع “رؤية 2030″، حيث بدأت المملكة بالتراجع عن تنفيذ مشاريع ضخمة مثل “نيوم” والمدينة الخطية نتيجة ارتفاع الكلفة وتقلّص القدرة على تمويلها.
في المحصلة، تبدو السعودية وقد انزلقت إلى معادلة مكلفة لا تمنحها ما تتطلع إليه، فيما تواصل واشنطن تحويل هذه التدفقات المالية الهائلة إلى رافعة لاقتصادها ونفوذها العسكري تحت شعار “أمريكا أولاً”.
وبين وعود حماية تتبدد عند اختبار الواقع، وموازين قوى تُصاغ وفق حسابات تتجاوز مصالح الرياض، تتكرّس حالة اختلال استراتيجية تثقل كاهل المملكة وتزيد هشاشتها الداخلية. ومع استمرار غموض المشهد الإقليمي وتعدد بؤر التوتر، تبقى المنطقة مفتوحة على سيناريوهات أكثر تعقيداً تتجاوز ما يمكن للمال أن يشتريه أو للخطابات السياسية أن تغطيه.



