غزة … صرخة الأرض والدم في وجه الخذلان

بقلم // فيصل أحمد الهطفي

هناك لحظات في التاريخ لا تُقاس بالأيام أو السنين، بل بعمق الجرح وحرارة الدم.

لحظة يتوقف فيها الزمن لتكتب الأرض شهادتها بمداد الشهداء، ولحظة تُختبر فيها معاني الأمة وأصالتها.

غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي امتحان عميق للضمير الإنساني، مرآة صادقة تكشف من هو صادق في ولائه، ومن هو عميل يخون القيم، ومن هو حر يرفض الذل، ومن هو عبد يخضع للإرهاب والاستسلام.

أصوات أطفال غزة الجائعين ليست صرخة ضعف، بل هي الأذان الحقيقي الذي يدعو إلى الجهاد والنهوض.

من ينظر إلى غزة لا يرى حجارة مهدمة ولا ركامًا فقط، بل يرى أمة كلها على مفترق طرق بين أن تبقى حية صامدة أو تموت بالتخاذل والخذلان.

غزة تصرخ … ولكن ليس بالدموع أو الندب، بل بصوت الجوع الذي يقرع أبواب البيوت المهدمة، وبصوت العطش الذي يختنق في حناجر الأطفال، وبصوت الأمهات اللواتي يلدن تحت قصف الطائرات، فيموت الجنين قبل أن يتعلم كيف يبكي.

في تلك الأرض حيث لا يعرف الليل سكونه، يتسكع الموت في الأزقة، يقتنص طفلاً من حضن أمه، أو شيخًا في ختام صلاته، ولا أحد يسأل: لماذا؟!

العالم يشاهد صامتًا، أنظمة باعت أوطانها في سوق التطبيع، رافعة للقاتل كؤوس الود والولاء، بينما تُغلق الأبواب في وجه رغيف غزة، وتُفتح الموانئ لسفن العدو.

صار من يرفع صوته دفاعًا عن المقاومة إرهابيًا، ومن يمد العدو بالسلع بطلاً، ومن يصمت خائنًا محترمًا في نشرات الأخبار.

لكن غزة تحمل سرًّا لا يفهمه الجبناء، سر الأرض التي كلما شربت دماء أبنائها ازدادت خضرة وصلابة، وسر الإيمان الراسخ الذي يحمله المجاهدون، وسر الرجال الذين يورثون البندقية كما يورثون الأسماء، يزرعون العبوات في قلب الدبابات، ويحولون شوارعهم إلى مصائد موت للصهاينة. فإذا سقط واحد، يقف آخر ليكمل الحكاية.

ومن اليمن، من جبال العزة التي لا تنحني، انطلقت يد الإسناد، أغلقت البحر في وجه العدو، وضربت قلبه، وأغلقت ميناء إيلات حتى صار اسمه في خرائط الصهاينة مرادفًا للهزيمة، وكذلك الصواريخ والطائرات المسيرة التي تضرب عمق العدو، ويهرب ملايين الصهاينة إلى الملاجئ.

لم ترهبه طائرات أمريكا، ولا قصف بريطانيا، لأن اليمني حين يعاهد، يكتب عهده بالدم، لا بالحبر.

وفي الساحات يخرج الشعب كل جمعة في ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، وفي ساحات كل المحافظات الحرة، دون كلل أو ملل.

غزة تريدكم أن تتحركوا، أن تكسروا جدار الحصار كما تكسرون جدار الخوف في قلوبكم، تريد أن تدركوا أن كل طلقة في صدر طفل هناك، هي رسالة لكم: أنتم القادمون.

هذه هي ساعة التمييز بين من يقرأ التاريخ كأغنية حزينة، ومن يكتبه بدمه على وجه الحاضر. من يتخلف اليوم عن غزة، سيتسول غدًا حريته في شوارع احتلال جديد، ومن يلبي النداء سيقف غدًا على أسوار القدس، وهو يسمع الأذان حرًا من جديد.

غزة تنادي … ومن يجيب فقد أجاب الله، ومن يصمت فقد خان الله، وخان نفسه قبل أن يخون فلسطين.

مقالات ذات صلة