21 سبتمبر ليس كمثلها ثورة.. من رحم القرآن إلى فضاء الإنسانية وتثبيت المعادلات الصعبة

منصور البكالي
تُمثل ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، نقطة تحوّل مفصلية في التاريخ المعاصر، فهي ليست مجرد حدث سياسي أو حراك شعبي محدود، أو امتدادًا لأي ثورة سابقة كما يزعم البعض من المنظرين، بل هي مشروع حضاري انطلق من عمق القرآن الكريم وجذور الرسالة المحمدية، ليعيد تعريف الثورة بمفاهيم إنسانية وروحية وأخلاقية شاملة.

جاءت هذه الثورة، في أخطر مرحلة مرت بها الأمة العربية والإسلامية، فكانت استجابة تاريخية لفراغ الأمة وضياع ولايتها، ومحاولة إنقاذها، فاستعادت جذوة الهداية، وربطت بين المعجزة القرآنية والواقع المعاصر، لتصوغ معادلة جديدة تتحدى هيمنة قوى الاستكبار وتفكك منظومات الزيف والديمقراطيات المعلّبة.

وبقدر ما هي أحياء لرسالة، ومبعث لمنهج سماوي ذات بعد عقدي وروحي، فهي أيضًا تجربة عملية عابرة للحدود، حملت الإنسان كإنسان في صميم أولوياته، وحوّلت قيم الكرامة والحرية والعدالة إلى وقائع ملموسة.

إنها ثورة أطلقت ديناميات حضارية متجددة، قادرة على إعادة رسم المشهد الإقليمي والدولي، ومُلهمة للأمم والشعوب الباحثة عن الخلاص من الاستعباد والهيمنة الامبريالية.

 ثورة تختلف عن كل الثورات

لكل ثورة أهداف ومقاصد وبواعث تعكس رموزها وروادها وقادتها المنحصرة في الأبعاد الشعبوية والمصالح والمطامع والمكتسبات السياسية والاقتصادية.

أما ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر فلا تحمل أهدافًا ضيقة كتلك، بل تفجّرت من قرين قرآن، وعلم هدى، وحامل رسالة، وقائد راية في معركة فكرية وعقدية ودينية إيمانية مبنية على معايير وأسس الثقة بالله، والمعرفة به، واليقين المطلق بنصره، دون أي اعتبار للمعايير المادية أو القوات البشرية والتجهيزات.

إنها ثورة تولّاها الله فرعاها، وهيأ لها وحماها وسخّر لها المعجزات، وحقق على أيدي رموزها وقادتها وأفرادها، سطروا الملاحم الأسطورية التي قلّ نظيرها عبر التاريخ، وحثّ عليها وعلى أمثالها رسله لتحقيق أهداف كتلك.

ثورة أحيت معجزات الأنبياء ورسالاتهم، وكراماتهم، ونقلت الغيب إلى حاضر ملموس، وحوّلت الوعود الغيبية إلى حقائق يقينية ثابتة.

إنها ثورة غيّرت النصوص والمعادلات والاستراتيجيات والمخططات، وأسقطت كل من يقف في وجهها.

إنها ثورة تحمل همّ الأمة وشعوبها، وتحمي المجتمع الإنساني برمته، ثورة لا مذهبية لها ولا عنصرية فيها، ولا طائفية، ولا حزبية، ولا مناطقية أو أي تقسيمات مبنية على الهوية والجنسية واللغة والجغرافيا واللون والجنس، ثورة تحاكي مصالح وتطلعات الإنسان كإنسان أينما كان موقعه ومعتقده ولغته ومحل إقامته.

ثورة إنسانية شاملة

ثورة لا حدود لها، أبعادها تفوق خيالات العباقرة الفلاسفة والمجددين وعلماء الفيزياء والاجتماع والسياسة والاقتصاد… إلخ.

إنها ثورة للإنسان كإنسان، تهتم بمصالحه وهدايته هنا في الدنيا وكذلك نجاته وفلاحه في الآخرة.

وإن قلت، تعجز الأقلام عن وصفها والكتابة عنها، فذلك جزء من كبد الحقيقة.

إنها ثورة قادتها مرتبطون بنهج الله وامتداد لرسالته، ذرية بعضها من بعض، فضلهم الله على كثير ممن خلق من عباده من جنه وإنسه.

ثورة لا مستحيل في قواميسها، ولا اعتبارات للمقاييس والمعايير السياسية والعلاقات الدولية، بل هي ثورة تصل إلى قلب كل إنسان وكل كائن حي في هذا الكون.

إنها ثورة ممتدة بالسماء متجذرة في الأرض، مهبطها أصل الإيمان والحكمة، وحاملوها أشجع وأيقن وأحكم شعبٍ.

وهلي بثورة كهذه هزمت أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، وقبلهن، أكبر تحالف عالمي من قوى الاستكبار الكافرة وأدواتها وأنظمتها العربية المنافقة خلال حرب امتدت لعشرة أعوام؟

وهي ثورة وضعت الإنسان والإنسانية في جفن أعينها، فكان أثرها وصيتها عابرًا للقارات، مذيبًا للحواجز التاريخية بلحظاتها وأعوامها وقرونها، لتعيد كل المجتمع البشري إلى أصله من آدم وإبراهيم.

إنها ثورة الرسالة والهداية والفلاح والقسط والعدل لو كانوا يعلمون، فقوتها ونظرتها الشمولية تحقق نجاحات وقفزات لا يمكن لأقوى إمبراطورية تحقيقها على مر التاريخ.

إنها ثورة محمدية، إبراهيميّة، عيسويّة، موسويّة، سليمانية، بكل صفات رسل الله، تؤمن بالأنبياء وتطبق رسالاتهم، وكل ما أنزل في التوراة والقرآن والإنجيل والزبور والصحف.

وإن تمعنت في قائدها، فهو من أحفاد علي، وجده محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خير خلق الله وسيد الأنبياء والمرسلين، ويمتد إلى إبراهيم ونوح وآدم.

وإن نظرت إلى عتادها وسلاحها، فهي أقرب ما تكون إلى عصا موسى أمام سحرة فرعون وقدراته وقوته العسكرية الضاربة في ذلك التاريخ، فكانوا هم الناجون، وكان فرعون العصر في مواجهتهم إلى الغرق في البحر أقرب، ولله الحمد والشكر.

وإن تحدثت عن أتباعها، فهم أولئك المستضعف

ون الصافية قلوبهم من أطماع الدنيا وأهوائها وملذاتها، أقرب إلى أتباع سائر الرسل والأنبياء عبر الأزمنة، نفوسهم أنصارية أوسيه خزرجية، زكية، وإرادتهم فولاذية، وعزمهم يزيل الجبال هدًّا.

لقد نذروا أنفسهم لله وباعوا منه في تجارة رابحة، فكان الثمن في الدنيا نصرًا وعزًا ومواقف مشرفة، وفي الآخرة جنات الخلود.

فكانوا رجال الله قولًا وفعلًا، لا يشبههم أحد، ولا تنال منهم أعتى الجيوش وأقوى الترسانات.

قائدهم الشهيد المؤسس حسين بدر الدين الحوثي\_ رضوان الله عليه\_ مؤسس المشروع القرآني، وربان سفينة التغيير، ومعيد منهجية الرسالة السماوية إلى أصلها، وعترتها، وامنائها، فيما قائد الحالي السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي\_ يحفظه الله\_ امتداد لعزم علي الكرار ووعيه وبصيرته وحكمته، من يدك حصون خيبر منذ عامين، من أذل قوى الاستكبار العالمي خلال عشرة أعوام، من أذهل العالم بوعيه وحكمته ورشده وصلاحه، وقدرته على تزكية النفوس وتقديم الهدى، وهو في كل ميدان فارس لا نظير له، وهبه الله من صفات إبراهيم، وحلم موسى، وصبر إيوب، ورحمة جده محمد صلى الله عليه وآله وسلم. جنده متولّون لله ولرسوله وللإمام علي _ عليه السلام_  ومن هم امتداد لولايته، من آل بيت النبوة عليهم السلام، ففضلهم الله على العالمين.

أنصارها هم أنصار الله، من ذاع صيتهم وغلبت سمعتهم وعمت شهرتهم أرجاء المعمورة بمواقفهم الإنسانية والبطولية المعبرة عن كرامة الإنسان وقيم النبل والوفاء والإباء والشجاعة، حين جمعوا بين البأس الشديد على أعدائهم والرحمة فيما بينهم.

هم اليوم أقرب من في الكون لتمثيل كتاب الله وآياته المحكمات وسوره بمفرداتها ومقاصدها وتوجيهاتها، ينتهون عما نهاهم الله ويطبقون ما وجههم به.

إنهم خير أجناد الأرض، ومفخرة السماء في المثلات، لو كان بعدهم كتاب منزل لتحدث في أغلبهم عنهم، لكنهم مضمون وجوهر الرسالة الخاتمة وحملة رايتها للعالمين.

ورغم كل التكالب عليهم يزدادون قوة وهيبة ومكانة يتربعون على مصاف المجتمع البشري بشهادة العالم أجمع. ومن شواهد ذلك وقوفهم مع غزة، فيما قطيع العالم الغالبية بحكامه وحكوماته في خندق المجرمين الصهاينة.

فإن رجعت إلى منهجها، فهو كتاب الله، وإن قلت عن رؤيتها، فهي إصلاح المجتمع البشري، والحفاظ على القيم والمبادئ الإنسانية، وحماية الفطرة السوية من الماسونية العالمية والإمبريالية الرأسمالية الشيطانية.

إنها ثورة الله وعباده المخلصين في وجه الشيطان الرجيم وجنده من الكافرين والمشركين والمنافقين أجمعين.

فقل لي بربك، كيف نصف ثورة كهذه؟ وكيف لنا أن ننصفها أو نصفها في مقال أو كتاب أو مجلدات؟

إنها ثورة سيكتب عنها التاريخ، في أنصع صفحات المجتمع البشري، من ولدت من رحم المعاناة ومنتهى المأساة، وهي من ستغير وجه العالم، وتعيد كتابة التأريخ، وتذيب الزيف، وتعيد للإنسانية كرامتها وحريتها.

مقالات ذات صلة