الذكرى السنوية الأولى لمجزرة البيجر.. عيون وأنامل قدّمت قربانًا ليحيا سلاح المقاومة

متابعات | تهامة نيوز: يصادف اليوم الأربعاء الذكرى السنوية الأولى لمجزرة مروّعة، وفاجعة تركت في قلوب اللبنانيين جرحًا عميقًا، اعتُبرت من أصعب الأيّام؛ عندما انفجرت أجهزةُ النداء اللاسلكي المعروفةُ بـ”البيجر” في أيدي وأحزمة آلاف اللبنانيين بشكل متزامن.

أراد العدوّ الصهيونيّ تحويلَ أَيَّـام اللبنانيين إلى ظلام دامس وسواد عظيم، محاولًا أن يهدِّمَ روحَ شعب آنَسَ الجهادَ والمقاومةَ والعزّةَ والمجد؛ فإذا بهم -وعلى مدى عام مضى- يحوّلون أيامَهم إلى باحة أمل، ويرسمون بأرواحهم النقية مستقبلًا ناصعًا للأجيال القادمة.

لم يكن الأمر مُجَـرّد عملية اغتيال فردية أَو استهداف محدود ينفذهُ الموسادُ الصهيونيُّ؛ بل مشهدٌ دمويٌّ صادمٌ طالَ آلافَ الأشخاص في وقت واحد؛ نتجَ عنه آلافٌ من الشهداء والجرحى، بينهم كوادرُ قياديةٌ وميدانيةٌ أَسَاسية في حزب الله، بالإضافة إلى عدد من المدنيين بينهم نساءٌ وأطفال.

واليومَ يستذكرُ اللبنانيون هذه المجزرة، في حضرة الأمين العامّ الأسبق لـ”حزب الله” الشهيد القائد السيد حسن نصرالله الذي ارتقى شهيدًا بعدَ عشرة أَيَّـام منها، مردّدين ما قاله يومها: “هذه الضربة الكبيرة والقوية وغيرُ المسبوقة، لم تُسقِطنا ولن تُسقِطنا -إن شاءَ الله- سنصبحُ أقوى وأمتن وأشدَّ صلابةً وعزمًا وعودًا وقدرةً على مواجهة كُـلّ الاحتمالات وكلّ المخاطر”.

بهذه الكلمات رسم الشهيدُ القائدُ السيد حسن نصرالله بدمه خارطةَ كرامة، ورغمَ غيابه إلا أنه صنعَ جيلًا لا يعرفُ الهزيمةَ؛ فأيلول لم يعد شهرًا للدموع والبكاء، بل موسمٌ للتذكّر أنّ التضحيةَ مسارُ من يمضي على درب سيّد الشهــداء الإمام الحسين (ع)، والقادة ولا سيما شهيد الأُمَّــة السيد حسن نصرالله.

وفي ذات الذكرى، توجّـه الأمين العامّ لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عصرَ اليوم في كلمة متلفزة إلى جرحى جريمة “البيجر”، بالقول: “أنتم تتعالجون من الجراح وتتغلّبون عليها، ونجحتم في الامتحان وأنتم في حالة نهوض مع سلامة الطريق”، مؤكّـدًا أنهم يسيرون ببصيرتهم “الأعظم من البصر”، وأنّ الاحتلال “أراد أن يبطل دورَ هؤلاء الجرحى من المعركة، إلا أنّهم مُستمرّون”.

وفي تفاصيل التسلسل الزمنيّ للجريمة؛ والتي كشفها رئيس شركة “غولد أبلو” التايوانية حينَها حول أجهزة “البيجر” المستخدَمة في الهجوم الذي استهدف اللبنانيين، مؤكّـدًا أنها صُنعت لصالح الشركة التايوانية بواسطة موزّع أُورُوبيّ، عبر عقد موقع بينهم منذ ثلاث سنوات.

وأشَارَ إلى أنّ الشركةَ التايوانيةَ لم تشهد أيةَ حالات شاذّة مع الموزّع الأُورُوبيّ -الذي “لم يذكر اسمه”- إلّا في حالة واحدة هي تحويلٌ مصرفيٌّ تأخّرَ في تنفيذه بعضَ الوقت، عدا ذلك كُـلّ التزاماته مع الشركة التايوانية مرت بصورة مرنة وبدون مشاكل.

في السياق، رأى كثيرٌ من الخبراء أنّ الصهاينة يعملون دائمًا على إبقاء صميم تحَرّكهم الاستخباريّ محضًا ومخفيًّا ومستترًا في واجهاتَ إما تجارية أَو إعلامية؛ ما ساعدهم على إبقاء مهامّهم غيرَ واضحة من خلال تلك المميزات وتأثيرات أُخرى.

آنذاك، لفتت وسائلُ الإعلام المختلفة في تقاريرها إلى توغّل “جهاز أمان والموساد” الصهيونيّ في كثير من الشركات العالمية، لدرجة أنّ بعضها منحتْ الشركات الصهيونيةَ حقوقَ الملكية الفكرية والصناعية -“العلامةَ التجارية”- لصناعة السلع الإلكترونية ومنتجات أُخرى معينة، يتم توزيعها تحتَ مسمّى العلامة التجارية للطرف المالك أَو الشركة الأمّ في منطقة جغرافية معينة.

وكشفت التقاريرُ أنَّ الموزّعَ الأُورُوبيَّ أَو ممثلَ الشركة التايوانية هو بالأصل “شركةٌ إسرائيلية بديلة” صنعت أجهزةَ “البيجر” المتفجّرة، وحول كيفية تنفيذ هذا الاختراق؛ فالأجهزةُ تمَّ صناعتُها لهذا الغرض وتفخيخُها سابقًا بموادّ متفجّرة دقيقة جـدًّا وإدخَالها إلى لبنان، وتمّ التحكمُ في انفجارها عبر تردّدات وأكواد برمجية تتمُّ عبر الأقمار الاصطناعية أَو عبر الطيران المسيَّر، وعبر تلقي إشارات ضمن الشبكة.

واعتَقَدَ خبراء وتقنيّون أنّ ما ساعد في نجاح هذه الهجمات هو استخدام “الذكاء الاصطناعيّ”؛ إذ ساعدت تقنياتُه في تحليل الأنماط في الاتصالات وتحديد الثغرات الأمنيّة بشكل أسرع وأكثر دقّة، وبالتالي ساعدَت في توجيه الهجمات نحو أفراد معينين أَو وحدات محدّدة؛ ما زاد من فعالية الهجوم وقلّل من احتمالية اكتشافه.

وقتها تبنّى المجرمُ “نتنياهو” العمليةَ رسميًّا، واعتبرها “ضربة استباقية ضرورية لضمان أمن (إسرائيل)”، مؤكّـدًا أن “استخدام التكنولوجيا الحديثة في استهداف الأعداء أصبح جزءًا من استراتيجية بلاده لتوجيه ضربات دقيقة ضدّ شبكات التهديدات المسلحة دون الحاجة إلى تدخّل بريّ واسع”، حَــدَّ وصفه.

وجيشُ العدوّ بدورهُ أشار إلى أن “العمليةَ نُفّذت بعد جمع معلومات استخباراتية دقيقة لضمان استهداف أهداف محدّدة بدقّة”؛ ما عكسَ تحوّلًا نوعيًّا في طبيعة المواجهة بين حزب الله والكيان، من مواجهة تقليدية إلى حرب إلكترونية وتقنية متقدّمة.

ويُذكر أنّ عددَ الشهداء نتيجةَ هذه المجزرة في أماكن عامة كالأسواق والمحلات والمستشفيات والطرقات فاقَ الـ 12 شخصًا؛ فيما أُصيب نحو 3000 آخرين بجروح متفاوتة، لا سـيَّـما في العيون والأيادي، في جريمة مضت كما هو المعتادُ دون أن يكونَ للمجتمع الدوليّ أي موقف يردعُ العدوّ أَو حتى يجرّمه.

مقالات ذات صلة