
المخاطرةُ الاستراتيجيةُ للشراكةِ السعوبريطانية
علي أحمد شرف الدين
أعلنت الرياضُ ولندن شراكةً دوليةً لتمويل وتدريبِ خفرِ السواحلِ اليمنيين «المرتزقة» بهدف حمايةِ الممراتِ البحريةِ في البحرِ الأحمرِ وخليجِ عدن، ومواجهةِ تهديداتٍ كـالقرصنةِ والتهريبِ والاتجارِ بالبشر، وحشدت المبادرةُ تعهّداتٍ ماليةً من أكثرَ من 35 دولةً، بمبالغَ يصفها الإعلامُ بأنها «ملايينُ الدولارات».
ومن منظورِ اليمن – المُمثَّل بقيادته الثوريةِ عبر خطابِ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي اليوم – فإن هذه الخطوةَ مرتبطةٌ بالموقفِ من الحربِ على غزة بوصفها إسنادًا للشعبِ الفلسطينيِّ المظلومِ في مواجهةِ الإبادةِ الجماعيةِ التي يمارسها كيان العدو الإسرائيلي على مرأى ومسمعٍ من العالم.
ويرى اليمنُ أن الاعتمادَ على قوى محليةٍ مدعومةٍ خارجيًا لمواجهةِ ما يُسمّى «التهديداتِ البحرية» لا يُحرِّرُ الدولَ الداعمةَ من «المسؤوليةِ السياسية» ولا من كونها طرفًا مباشرًا في الصراعِ الإقليميّ، والخلاصةُ: تجهيزُ وتدريبُ خفرِ سواحلَ يمنيين موالينَ للتحالفِ يُعَدّ—بالنسبةِ لليمنَ وقواتِه المسلحةِ—محاولةً لتطويقِ قدراته في إسنادِ غزة وفتحِ مساراتٍ لحمايةِ مصالحَ “إسرائيل”، وبالتالي سيُعاملُ كمبرّرٍ للاستهداف، وهذا انطباعٌ تؤكّده الوقائعُ؛ إذ ترافقت الهجماتُ اليمنيةُ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع حملةٍ أوسعَ استهدفت حركةَ الملاحةِ المرتبطةَ بموانئَ تابعة للعدو الإسرائيلي، وامتدّت إلى ضربِ سفنِ شحنٍ وأهدافٍ مرتبطةٍ بالكيان المؤقت أو بحلفائها.
أسسُ الموقفِ اليمني
1- رمزيةُ «القوةِ المحليةِ» ووظيفتُها السياسية:
عندما تدعمُ دولٌ خارجيةٌ قوةً محليةً لتتولّى دورًا أمنيًا في منطقةٍ عاليةِ الحساسية، فإن هذه القوةَ لا تبقى محايدةً في الواقعِ السياسي؛ بل تعملُ بمواصفاتٍ وتمويلٍ وخياراتٍ استراتيجيةٍ يحدّدها الداعمون، ومن زاويةِ الموقفِ الرسميِّ لليمن، سيُنظَرُ إلى خفرِ السواحلِ «المموَّلين والمدرَّبين خارجيًا» كجزءٍ من شبكةٍ أمنيةٍ أوسعَ تصبّ في مصلحةِ العدوِّ الإسرائيلي، وهي قراءةٌ لا تتصلُ بالشكلِ فحسب، بل بالنيّاتِ المُعلنةِ ونتائجِ الممارسةِ على الأرض.
2- سجلُّ الهجماتِ والقدرةُ على الردّ السياسي/العسكري:
اقتصر سلوكُ القوّةِ الصاروخيةِ والبحريةِ اليمنيةِ منذ أكتوبر 2023 على استهدافِ كيان العدو الإسرائيلي ومصالحِ الملاحةِ المرتبطةِ به، وعليه، فإن أي خطوةٍ للحدِّ من هذا النشاطِ تُفهَمُ دعمًا لمواجهةِ هذا المسارِ اليمني في إسنادِ غزة، وقد أفضت الهجماتُ الأخيرةُ إلى خسائرَ كبيرةٍ ضمن سياقاتٍ تصعيديةٍ في البحرِ الأحمر، بما يؤكدُ قدرةَ الفاعلِ اليمني على تحويلِ السياساتِ البحريةِ إلى ساحةِ مواجهةٍ مباشرة.
3- الشرعيةُ والمساءلةُ الدولية:
حتى لو أصرت الدولُ المموِّلةُ على أن الهدفَ «مدنيّ» تحت لافتةِ مكافحةِ التهريبِ أو الإنقاذِ أو حمايةِ التجارة، فسيبقى السؤالُ الأخلاقيُّ والسياسيُّ قائمًا: هل يمكنُ للدولِ التملّصُ من تبعاتِ دعمِ بِنْيةٍ أمنيةٍ محليةٍ تعارضُ الجهدَ العسكريَّ المعاديَ “لإسرائيل”؟ بالنسبةِ لليمنَ الجوابُ واضحٌ: لا. فـ«التمويلُ» يُقرأ تحالفًا سياسيًا عمليًا، يعيدُ رسمَ خارطةِ المواجهة.
المخاطرُ الاستراتيجيةُ على المشاركين في هذا التحالف
تعريضُ الملاحةِ للزعزعةِ والردّ المباشر:
باعتبار هذه الخطوةِ جزءًا من الانخراطِ ضد الجهودِ اليمنيةِ المستهدِفةِ للملاحةِ المرتبطةِ بالعدو الإسرائيلي، فمن المرجّح تصاعدُ الهجماتِ على الملاحةِ التابعةِ لأعضاءِ هذا التحالفِ مع الكيان المؤقت، سواءُ السفنِ التجاريةِ أو العسكريةِ، وقد يضرّ أيضًا بمصالحِ دولٍ ليست منخرطةً في هذا التحالف.
تكرارُ سيناريو فشلِ «تحالفِ الازدهارِ الأميركي:
ليس مستبعدًا أن تتعرض الدولُ المشاركةُ لاستنزافٍ اقتصاديٍّ متزايد؛ لا سيما مع توجَّهِ بعضِ القدراتِ العسكريةِ اليمنيةِ نحو الملاحةِ التابعةِ للدولِ المنضويةِ في الحلفِ الجديد، وإلى جانب غيابِ «عائدٍ» واضحٍ من دعمِ خفرِ السواحلِ اليمنيين «المرتزقة»، قد يجد هؤلاء المرتزقةُ أنفسَهم في النهايةِ من دون سندٍ فعليٍّ من القوى الخارجية.
تقويضُ المسارِ السياسي:
التركيزُ على بناءِ قدراتٍ أمنيةٍ لقوى تابعةٍ للتحالفِ السعوديِّ الأميركي قد يطغى على مسارِ الحلِّ السياسيِّ لإحلالِ الاستقرارِ في اليمن – كما حصل بعد انخراطِ اليمنِ في إسنادِ غزة – كما يؤجّجُ الحساسيةَ مع الجارةِ اللدود (السعودية)، ولا يمنحُها غطاءً شرعيًا في ظلِّ تورّطها في بناءِ بِنْيةٍ تحتيةٍ عسكريةٍ لهذه القوى.
• موازينُ القوى والدورُ الأميركي/الغربي: غيابٌ بارزٌ أم ضبطٌ للحضور؟
إن تجنّبت الولاياتُ المتحدةُ الحضورَ البارزَ في هذه التهيئةِ الإقليميةِ لدعمِ قواتِ خفرِ السواحلِ التابعةِ لـ«المرتزقة» قد يبدو لها مسلكًا آمنًا لا يعرّضُها للاستهداف، لعلمِها أن الانخراطَ المباشرَ – وفق تجربتها في «تحالفِ الازدهارِ» – مكلفٌ ويحملُ مخاطرةَ التصعيدِ مع اليمن الذي انسحبت منه، وهذا الفراغُ الأميركيُّ في الصدارةِ الذي تحاولُ سدَّه دولٌ مثل السعوديةِ وبريطانيا لن يوفّرَ لواشنطن غطاءً من تبعاتِ التورّطِ المباشر كما تظن؛ بل إنها – بحسب الموقفِ اليمني – ستظلُّ مع هذه الدولِ في الخطِّ الأماميِّ للمسؤوليةِ، وعُرضةً للردّ. حيث إن «الغيابَ الأميركي» سيُفهَمُ في إطارِ تبادُلٍ للأدوارِ لتجنّبِ المواجهةِ المباشرة، فيما النتيجةُ العمليةُ واحدةٌ، فكلُّ مشاركٍ سيتحمّلُ تكلفةَ الاستهدافِ قطعًا.