من هم أنصار الله؟ (6)

سلسلة وثائقيات تعريفية عن المشروع القرآني في اليمن

بقلم زيد احمد محمد الغرسي
 
محورية النص القرآني:  
   
كما أشرت في المقال السابق (5) إلى أن القرآن الكريم هو الأساس الذي اعتمد عليه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في انطلاقته بالمشروع القرآني، وفي هذا المسار قدم خطوات عملية للعودة الى القرآن بالشكل الصحيح حيث سعى أولاً إلى تصحيح النظرة للقران الكريم أنه كتاب هداية شامل لكل مناحي الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، والعسكرية، وووالخ، كما قال الله عنه” هُدًى لِّلْعَالَمِينَ ” ” مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ. {الأنعام:38} ” ثم قدم القرآن ككتاب عملي يواكب الحياة والمتغيرات والأحداث، وكتاب صالح لكل زمان ومكان بشكل فعلي، وليس مجرد نظرية ، ثم قدم الأسلوب الصحيح في التعامل مع النص القرآني، وقد سبق وإن أشرت إلى نص حول ذلك مما قدمه في إحدى محاضراته في المقال السابق.

ولم يكن ما قدمه مجرد نظريات، لا؛ بل ترجمها بشكل عملي في تحركه لبناء أمة ضمن المشروع القرآني، وفي محاضراته حيث كان يعتمد على ” محورية النص القرآني ” بمعنى أنه كان يعتمد بشكل أساسي على النص القرآني ثم:

–       يقدم النص القرآني وينطلق من جوهر ذلك النص، وينزله إلى الواقع، ويقيم ذلك الواقع ويقدم الحلول، والمعالجات وفق الرؤية القرآنية.

–       يدور حول مضامينه، ومفاهيمه، ودلالاته في كثير من تفاصيل الواقع.

–       ينطلق من أفق النص القرآني إلى تفاصيل الأحداث في الواقع بشكل مذهل ورؤية عميقة،
فعلى سبيل المثال تجده يتحدث عن حدث معين، ثم يربطه بأية قرآنية، أو يقدم الآية، ثم ينزل من خلالها إلى الواقع بشكل سلس حتى تلمس أن الآية تتحدث عن الحدث نفسه، وبذلك تلمس في نفسك عظمة القرآن وعمقه وسعته، وأنه كما قال الله عنه: ” ” مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ. ” وأنه لكل زمان ومكان بشكل فعلي، وحقيقي في الميدان وليس عبارات للتلاوة فقط.
 
كل ذلك بشكل سلس، وميسر، ومنطقي لا حشو فيه، ولا تعقيد، ولا تكلف، وبتسلسل لا تلمس فيه انحراف عن مضمون النص القرآني، أو دلالاته، أو مفاهيمه، وبعبارات واضحة، بينة، سهلة، مفهومة يستطيع الجميع فهمه، والاستفادة منه سواء كان العامي، أو العالم، أوالأكاديمي، أوالمثقف، وغيرهم، فالكل يفهمه، ويستفيد منه.

يقول السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي عن هذه النقطة الهامة: ” كان يقدم النص القرآني ثم ينطلق من جوهر هذا النص القرآني من دلالاته وَمن مضامينه إلَـى الواقع، يقيم هذا الواقع ويشخصه، يحدد الموقف اللازم، وبذلك أبرز فعلاً عظمة القرآن وأن القرآن الكريم كتاب هداية يواكب كُلّ التغيرات ويتناول المواقع وأن بالإمكان فعلاً الاعتماد على القرآن الكريم؛ لأن فيه الحل الصحيح، وَالناجع الحل المفيد، فمحورية النص القرآني هي حالة متميزة وفريدة في النظرة القرآنية التي قدمها، وفي مرحلة الأُمَّـة في أمس الحاجة إلَـى هذا.”
وقال أيضا ” …الشهيد القائد ..تحرك بالقرآن الكريم ليلامس به حقيقة مشاكل الأمة، وفعلاً نزّل النص القرآني إلى الواقع بهدايةٍ من الله بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى، بمعرفةٍ صحيحة، ونُضْجٍ ثقافيٍ كبير ورؤيةٍ عميقة، وبطريقةٍ سلسة، فقدَّم النص القرآني خطاباً، قدَّمه ليلامس الواقع، ليعالج المشاكل، قدَّمه في إطار التقييم لواقع الأمة، والحل لمشاكلها، في إطار تحديد الموقف الذي يجب أن تتبناه الأمة، وبخطابٍ واضحٍ بيِّن كما هو شأن القرآن؛ لأن القرآن الكريم جعله الله آياتٍ بينات وقرآن مبين وخطابٍ بيِّن واضح”.

النص القرآني كما هو

كما أنه كان يقدم النص القرآني كما هو، أي بدون نظريات أو رؤى، أو أفكار مسبقة  تتحكم في علاقته بالنص القرآني، وهذه نقطة مهمة جدا في تصحيح التعامل مع القرآن الكريم وفهمه، لأن هناك الكثير ممن يدخل إلى القرآن، وهو محكوم بثقافة مسبقة.
 أما مذهبية، أو فكرية ولديه فكرة، ونظرية ومعتقد سابق، ويحاول تطويع القرآن على ضوئها، أو التأثير على النص القرآني، وتحريف مضامين، ومعنى النص القرآني لكي يتوافق مع مذهبه، أو توجهه أو لكي يستدل به على صحة توجهه ونظريته، والبعض الآخر عندما يقدم النص القرآني يقدمه كشاهد في إطار محدود أو بعيدا عن مضامينه، ودلالاته، أو لمجرد الاستدلال الجاف بالمعلومات فقط دون أن يلمس أثر النص القرآني في نفسه، وفي واقعه وهذه من أهم العوائق التي خلقت حواجز نفسية بين المسلمين في التعامل القرآن الكريم، مما أدى إلى وجود الكثير من الاختلافات، والجدال، والجدل مع أن الله جعل القرآن ميسر للفهم، والتدبر كما قال-سبحانه وتعالى- ” وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ  (22) القمر ” ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف” ” بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء “.

وهنا نص مهم للشهيد القائد في ملزمة الثقافة القرآنية حول الأسلوب الصحيح في التعامل مع القرآن: ” يتذكر الإنسان دائماً بالقرآن، ويكون همه أن يتذكر عندما تقدمه للناس قدمه على هذا النحو، تذكرهم به، وليس بأسلوب المفسر، تنطلق وكأنك مفسر للقرآن، قد تخطئ ، أو أن تغوص في أعماق القرآن قد تخطئ، يكفيك ظاهر القرآن أن تتذكر به وأن تذكر الآخرين به، أن تدَّبره وأن تدعو الآخرين لكي يَدَّبروه، هو شيء واسع جداً.
هذا ما أريد أن أقوله فيما يتعلق بالتعامل مع القرآن ، نحن لا نريد أن يكون مبتذلاً، فكل واحد ينطلق، ويرى أنه يستطيع أن يفسر، ويستطيع أن يحلل، ويستطيع أن يغوص في أعماق هذه الآية أو تلك، أو يستوحي من هذه الآية أو تلك، انطلق مع ظاهر القرآن الذي هو ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ}”.

العلاقة بالله والثقة بوعوده

حتى في تقديم المواضيع المتعلقة بالجانب النفسي، والروحي، والمعنوي للإنسان، فقد قدم النص القرآني بشكل يترك التأثير النفسي والوجداني للآيات القرآنية في نفسك، ومعنوياتك، ويدفعك للتحرك والاستجابة لله بشكل عملي في الميدان، كما تلمس ذلك الأثر في مخاطبة أعماق النفس البشرية، وبهذا الأسلوب عندما تسمع أو تقرأ محاضراته، كأنك لأول مرة تسمع تلك الآيات، حتى لو كنت حافظا لها وهذا هو أسلوب القران الكريم نفسه الذي يترك الأثر في النفوس؛ لأن البعض للأسف الشديد قدموا القرآن بطريقة جافة من خلال استخدامه في الجدال، والمحاججة حتى أفقدوا الأثر النفسي في آياته، أو البعض قدمه محصورا في مسائل الفقه، والعبادات، وكأنها كل الدين بالرغم من أنها جزء من الدين، أو إذا ما تطرق البعض لمثل هذه المواضيع كالثقة بالله، وحبه، وعظمته، ووعوده، بالنصر والتأييد للمؤمنين، يتطرق لها بشكل جاف لا أثر لها في النفس سوى الحصول على معلومات عامة ليس لها أثر في الميدان، فالشهيد القائد استطاع إيصال تأثير القرآن النفسي، والمعنوي، والوجداني في كل من يستمع لمحاضراته، أو يقرأها.

ونتيجة لذلك؛ بنى أمة قوية تثق بالله، وتؤمن بوعوده بالنصر، ولا تخاف أحد إلا الله ولا يرهبها تهديدات أمريكا، وإسرائيل، ولا قوتهم، ولا إمكانياتهم الهائلة، وواجهوها بكل شجاعة وقوة وثبات وقدموا بطولات عظيمة يخلدها التاريخ.
كما لم تنجح الحرب الإعلامية، والنفسية التي تشنها ضدهم الماكينات الإعلامية والنفسية الهائلة الأمريكية والإسرائيلية ومن يدور في فلكهم من بعض وسائل الإعلام العربية، لأن لديهم ثقة بالله عالية، واطمئنان، ووعي تجاه اعدائهم، ومن مصاديق ذلك؛ ما شاهده العالم من ثبات، وصبر، ويقين، وتضحية من قبل أبناء الشعب اليمني في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، الذي استمر تسع سنوات، وقد شاهد العالم كيف كان يقف الفرد منهم بسلاحه الشخصي أمام مدرعة أمريكية، ولا يهابها، ويشاهد حاليا في معركة الشعب اليمني مع أمريكا وبريطانيا وكيان العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر دعما وإسناد لغزة، وعندما هددت أمريكا أبناء الشعب اليمني بقصفهم، خرج ملايين الشعب الى الساحات يرددون زامل ” ما نبالي ما نبالي واجعلوها حرب كبرى عالمية ”  وهذه نماذج حية تقدم شواهد حقيقة على أثر القرآن وما يتركه في النفوس من ثقة بالله، ويقين بوعوده بعد أن كانت تلك الوعود الإلهية في القرآن للتلاوة فقط، ولا أثر لها في النفوس وكانت تتبخر من إيمان الفرد، ويضعف، ويخاف من مجرد تهديد أمريكي أو من أي زعيم عميل لهم.

وهنا نتذكر أنه خلال الحروب الست سعت السلطة الظالمة حينها إلى ما اسمته “محاربة الفكر بالفكر ومواجهة الحجة بالحجة ” فقامت بإرسال ملازم ومحاضرات الشهيد القائد لبعض العلماء داخل اليمن وخارجه على أساس ان يردوا عليها ويفندوا ما ورد فيها، وبعد قراءتهم لها كان جوابهم لا نستطيع الرد عليه، لأن كل كلامه من القرآن ولم نجد فيه أي خطأ، بل إن بعض العلماء بعدما قراءوا الملازم، مثلت لهم نقلة كبيرة في التعرف على المشروع القرآني، واستنكر بعضهم شن الحرب على الشهيد القائد.
 
واليوم نلاحظ هذا الأسلوب نفسه في محاضرات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الرمضانية حيث يقدم النص القرآني، ثم ينطلق منه إلى الواقع وتفاصيله المختلفة بشكل عميق، وسهل، وإسلوب واضح يستفيد منه الجميع،  وفي الخطابات السياسية يقدم الآيات القرانية أثناء حديثه عن مواضيع سياسية، وتجدها في سياقها الطبيعي، والصحيح وكأنها تحكي عن الأحداث الآنية، ليقدم بذلك عظمة القرآن، وأنه صالح لكل زمان ومكان، ومع قرب شهر رمضان المبارك لهذا العام ندعو القراء الأعزاء من مختلف الدول الإسلامية لمتابعة محاضرات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي الرمضانية مساء كل يوم خلال أيام الشهر المبارك؛ لمعرفة المشروع القرآني وما يقدمه من هدى القرآن الكريم، فالأمة بحاجة ماسة له في هذه المرحلة الهامة المفصلية في تاريخها في مواجهة أعداءها وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل .
 
يتبع …

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة